فصل: فصل: إن اجتمع ابن وبنت

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وكذلك الصبى إذا لم يكن له أب‏,‏ أجبر وارثه على نفقته على قدر ميراثهم منه‏]‏

ظاهر المذهب أن النفقة تجب على كل وارث لموروثه إذا اجتمعت الشروط التي تقدم ذكرنا لها وبه قال الحسن‏,‏ ومجاهد والنخعي وقتادة‏,‏ والحسن بن صالح وابن أبى ليلى وأبو ثور وحكى ابن المنذر‏,‏ عن أحمد في الصبى المرضع لا أب له ولا جد نفقته وأجر رضاعه على الرجال دون النساء وكذلك روى بكر بن محمد‏,‏ عن أبيه عن أحمد‏:‏ النفقة على العصبات وبه قال الأوزاعي وإسحاق وذلك لما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قضى على بنى عم منفوس بنفقته احتج به أحمد وقال ابن المنذر‏:‏ روى عن عمر أنه حبس عصبة ينفقون على صبي الرجال دون النساء ولأنها مواساة ومعونة تختص القرابة‏,‏ فاختصت بها العصبات كالعقل وقال أصحاب الرأي‏:‏ تجب النفقة على كل ذى رحم محرم ولا تجب على غيرهم لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله‏}‏ وقال مالك‏,‏ والشافعي وابن المنذر‏:‏ لا نفقة إلا على المولودين والوالدين ‏(‏لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لرجل سأله‏:‏ عندي دينار‏؟‏ قال‏:‏ أنفقه على نفسك قال‏:‏ عندي آخر‏؟‏ قال‏:‏ أنفقه على ولدك قال‏:‏ عندي آخر‏؟‏ قال‏:‏ أنفقه على أهلك قال‏:‏ عندي آخر‏؟‏ قال‏:‏ أنفقه على خادمك قال‏:‏ عندي آخر‏؟‏ قال‏:‏ أنت أعلم‏)‏ ولم يأمره بإنفاقه على غير هؤلاء ولأن الشرع إنما ورد بنفقة الوالدين والمولودين‏,‏ ومن سواهم لا يلحق بهم في الولادة وأحكامها فلا يصح قياسه عليهم ولنا قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف‏}‏ ثم قال‏:‏ ‏{‏وعلى الوارث مثل ذلك‏}‏ فأوجب على الأب نفقة الرضاع‏,‏ ثم عطف الوارث عليه فأوجب على الوارث مثل ما أوجب على الوالد وروى ‏(‏أن رجلا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ من أبر‏؟‏ قال‏:‏ أمك وأباك وأختك وأخاك وفي لفظ‏:‏ ومولاك الذي هو أدناك‏,‏ حقا واجبا ورحما موصولا‏)‏ رواه أبو داود وهذا نص لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ألزمه الصلة والبر والنفقة من الصلة جعلها حقا واجبا‏,‏ وما احتج به أبو حنيفة حجة عليه فإن اللفظ عام في كل ذى رحم فيكون حجة عليه في عداد الرحم المحرم وقد اختصت بالوارث في الإرث فكذلك في الإنفاق وأما خبر أصحاب الشافعي‏,‏ فقضية في عين يحتمل أنه لم يكن له غير من أمر بالإنفاق عليه ولهذا لم يذكر الوالد والأجداد وأولاد الأولاد وقولهم‏:‏ لا يصح القياس قلنا‏:‏ إنما أثبتناه بالنص ثم إنهم قد ألحقوا أولاد الأولاد بالأولاد‏,‏ مع التفاوت فبطل ما قالوه إذا ثبت هذا فإنه يختص بالوارث بفرض أو تعصيب‏,‏ لعموم الآية ولا يتناول ذوى الأرحام على ما مضى بيانه‏,‏ فإن كان اثنان يرث أحدهما الآخر ولا يرثه الآخر كالرجل مع عمته أو ابنة عمه وابنة أخيه والمرأة مع ابنة بنتها وابن بنتها‏,‏ فالنفقة على الوارث دون الموروث نص عليه أحمد في رواية ابن زياد فقال‏:‏ يلزم الرجل نفقة بنت عمه‏,‏ ولا يلزمه نفقة بنت أخته وذكر أصحابنا رواية أخرى لا تجب النفقة على الوارث ها هنا لقول أحمد‏:‏ العمة والخالة لا نفقة لهما إلا أن القاضي قال‏:‏ هذه الرواية محمولة على العمة من الأم فإنه لا يرثها لكونه ابن أخيها من أمها وقد ذكر الخرقي أن على الرجل نفقة معتقه لأنه وارثه ومعلوم أن المعتق لا يرث معتقه ولا تلزمه نفقته فعلى هذا‏,‏ يلزم الرجل نفقة عمته لأبويه أو لأبيه وابنة عمه وابنة أخته كذلك ولا يلزمهن نفقته وهذا هو الصحيح -إن شاء الله تعالى- لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وعلى الوارث مثل ذلك‏}‏ وكل واحد من هؤلاء وارث‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏فإن كان للصبى أم وجد فعلى الأم ثلث النفقة وعلى الجد ثلثا النفقة‏]‏

وجملته أنه إذا لم يكن للصبى أب‏,‏ فالنفقة على وارثه فإن كان له وارثان فالنفقة عليهما على قدر إرثهما منه وإن كانوا ثلاثة أو أكثر‏,‏ فالنفقة بينهم على قدر إرثهم منه فإذا كان له أم وجد فعلى الأم الثلث والباقي على الجد لأنهما يرثانه كذلك وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي‏:‏ النفقة كلها على الجد لأنه ينفرد بالتعصيب فأشبه الأب وقد ذكرنا رواية أخرى عن أحمد‏,‏ أن النفقة على العصبات خاصة ولنا قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وعلى الوارث مثل ذلك‏}‏ والأم وارثة فكان عليها بالنص‏,‏ ولأنه معنى يستحق بالنسب فلم يختص به الجد دون الأم كالوراثة‏.‏

فصل

وإن اجتمع ابن وبنت فالنفقة بينهما أثلاثا‏,‏ كالميراث وقال أبو حنيفة‏:‏ النفقة عليهما سواء لأنهما سواء في القرب وإن كان أم وابن فعلى الأم السدس والباقي على الابن وإن كانت بنت وابن ابن فالنفقة بينهما نصفان وقال أبو حنيفة‏:‏ النفقة على البنت لأنها أقرب وقال الشافعي في هذه المسائل الثلاث‏:‏ النفقة على الابن لأنه العصبة وإن كانت له أم وبنت‏,‏ فالنفقة بينهما أرباعا لأنهما يرثانه كذلك وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي‏:‏ النفقة على البنت لأنها تكون عصبة مع أخيها وإن كانت له بنت وابن بنت فالنفقة على البنت وقال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين‏:‏ النفقة على ابن البنت لأنه ذكر ولنا قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وعلى الوارث مثل ذلك‏}‏ فرتب النفقة على الإرث‏,‏ فيجب أن تترتب في المقدار عليه وإيجابها على ابن البنت يخالف النص والمعنى فإنه ليس بعصبة ولا وارث‏,‏ فلا معنى لإيجابها عليه دون البنت الوارثة‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏فإن كانت جدة وأخا فعلى الجدة سدس النفقة والباقي على الأخ وعلى هذا المعنى حساب النفقات‏]‏

يعنى أن ترتيب النفقات على ترتيب الميراث‏,‏ فكما أن للجدة ها هنا سدس الميراث فعليها سدس النفقة وكما أن الباقي للأخ فكذلك الباقي من النفقة عليه وعند من لا يرى النفقة على غير عمودى النسب‏,‏ يجعل النفقة كلها على الجدة وهذا أصل قد سبق الكلام فيه فإن اجتمع بنت وأخت أو بنت وأخ أو بنت وعصبة‏,‏ أو أخت وعصبة أو أخت وأم أو بنت وبنت ابن‏,‏ أو أخت لأبوين وأخت لأب أو ثلاث أخوات مفترقات فالنفقة بينهم على قدر الميراث في ذلك‏,‏ سواء كان في المسألة رد أو عول أو لم يكن وعلى هذا تحسب ما أتاك من المسائل وإن اجتمع أم أم وأم أب فهما سواء في النفقة لاستوائهما في الميراث‏.‏

فصل

فإن اجتمع أبوا أم فالنفقة على أم الأم لأنها الوارثة وإن اجتمع أبوا أب‏,‏ فعلى أم الأب السدس والباقي على الجد وإن اجتمع جد وأخ فهما سواء وإن اجتمعت أم وأخ وجد‏,‏ فالنفقة بينهم أثلاثا وقال الشافعي النفقة على الجد في هذه المسائل كلها إلا المسألة الأولى فالنفقة عليهما بالسوية وقد مضى الكلام على أصل هذا فيما تقدم‏.‏

فصل

فإن كان فيمن عليه النفقة خنثى مشكل‏,‏ فالنفقة عليه بقدر ميراثه فإن انكشف بعد ذلك حاله فبان أنه أنفق أكثر من الواجب عليه‏,‏ رجع بالزيادة على شريكه في الإنفاق وإن بان أنه أنفق أقل رجع عليه‏,‏ فلو كان للرجل ابن وولد خنثى عليهما نفقته فأنفقا عليه‏,‏ ثم بان أن الخنثى ابن رجع عليه أخوه بالزيادة وإن بان بنتا رجعت على أخيها بفضل نفقتها لأن من له الفضل أدى ما لا يجب عليه أداؤه‏,‏ معتقدا وجوبه فإذا تبين خلافه رجع بذلك كما لو أدى ما يعتقده دينا فبان خلافه‏.‏

فصل

فإن كان له قرابتان موسران‏,‏ وأحدهما محجوب عن ميراثه بفقير فقد ذكرنا أنه إن كان المحجوب من عمودى النسب فالظاهر أن الحجب لا يسقط النفقة عنه‏,‏ وإن كان من غيرهما فلا نفقة عليه فعلى هذا إذا كان له أبوان وجد والأب معسر‏,‏ كان الأب كالمعدوم فيكون على الأم ثلث النفقة والباقي على الجد وإن كان معهم زوجة‏,‏ فكذلك وإن قلنا‏:‏ لا نفقة على المحجوب فليس على الأم ها هنا إلا ربع النفقة ولا شيء على الجد وإن كان أبوان وأخوان وجد والأب معسر‏,‏ فلا شيء على الأخوين لأنهما محجوبان وليسا من عمودى النسب ويكون على الأم الثلث‏,‏ والباقي على الجد كما لو لم يكن أحد غيرهما ويحتمل أن لا يجب على الأم إلا السدس لأنه لو كان الأب معدوما لم ترث إلا السدس وإن قلنا‏:‏ إن كل محجوب لا نفقة عليه فليس على الأم إلا السدس‏,‏ ولا شيء على غيرها وإن لم يكن في المسألة جد فالنفقة كلها على الأم على القول الأول وعلى الثاني ليس عليها إلا السدس وإن قلنا‏:‏ إن على المحجوب بالمعسر النفقة‏,‏ وإن كان من غير عمودى النسب فعلى الأم السدس والباقي على الجد والأخوين أثلاثا كما يرثون إذا كان الأب معدوما وإن كان بعض من عليه النفقة غائبا‏,‏ وله مال حاضر أنفق الحاكم منه حصته وإن لم يوجد له مال حاضر‏,‏ فأمكن الحاكم الاقتراض عليه اقترض فإذا قدم‏,‏ فعليه وفاؤه‏.‏

فصل

ومن لم يفضل عن قوته إلا نفقة شخص وله امرأة فالنفقة لها دون الأقارب لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث جابر‏:‏ ‏(‏إذا كان أحدكم فقيرا‏,‏ فليبدأ بنفسه فإن كان له فضل فعلى عياله‏,‏ فإن كان له فضل فعلى قرابته‏)‏ ولأن نفقة القريب مواساة ونفقة المرأة تجب على سبيل المعاوضة‏,‏ فقدمت على مجرد المواساة ولذلك وجبت مع يسارهما وإعسارهما ونفقة القريب بخلاف ذلك‏,‏ ولأن نفقة الزوجة تجب لحاجته فقدمت على نفقة القريب كنفقة نفسه‏,‏ ثم من بعدها نفقة الرقيق لأنها تجب مع اليسار والإعسار فقدمت على مجرد المواساة ثم من بعد ذلك الأقرب فالأقرب فإن اجتمع أب وجد‏,‏ أو وابن وابن ابن قدم الأب على الجد والابن على ابنه وقال أصحاب الشافعي‏,‏ في أحد الوجهين‏:‏ يستوى الأب والجد والابن وابنه لتساويهم في الولادة والتعصيب ولنا أن الأب والابن أقرب وأحق بميراثه‏,‏ فكانا أحق كالأب مع الأخ وإن اجتمع ابن وجد أو أب وابن ابن‏,‏ احتمل وجهين أحدهما تقديم الابن والأب لأنهما أقرب فإنهما يليانه بغير واسطة‏,‏ ولا يسقط إرثهما بحال والجد وابن الابن بخلافهما ويحتمل التسوية بينهما لأنهما سواء في الإرث والتعصيب والولادة وإن اجتمع جد وابن ابن‏,‏ فهما سواء لتساويهما في القرب والإرث والولادة والتعصيب ويحتمل فيهما ما يحتمل في الأب والابن على ما سنذكره‏.‏

فصل

وإن اجتمع أب وابن فقال القاضي‏:‏ إن كان الابن صغيرا‏,‏ أو مجنونا قدم لأن نفقته وجبت بالنص مع أنه عاجز عن الكسب‏,‏ والأب قد يقدر عليه وإن كان الابن كبيرا والأب زمن‏,‏ فهو أحق لأن حرمته آكد وحاجته أشد ويحتمل تقديم الابن لأن نفقته وجبت بالنص وإن كانا صحيحين فقيرين ففيهما ثلاثة أوجه‏,‏ أحدها التسوية بينهما لتساويهما في القرب وتقابل مرتبتهما والثاني‏,‏ تقديم الابن لوجوب نفقته بالنص والثالث تقديم الأب لتأكد حرمته وإن اجتمع أبوان ففيهما الوجوه الثلاثة أحدها‏,‏ التسوية لما ذكرنا والثاني تقديم الأم لأنها أحق بالبر ولها فضيلة الحمل والرضاع والتربية‏,‏ وزيادة الشفقة وهي أضعف وأعجز والثالث تقديم الأب‏,‏ لفضيلته وانفراده بالولاية على ولده واستحقاق الأخذ من ماله‏,‏ وإضافة النبي -صلى الله عليه وسلم- الولد وماله إليه بقوله‏:‏ ‏(‏أنت ومالك لأبيك‏)‏ والأول أولى وإن اجتمع جد وأخ احتمل التسوية بينهما لاستوائهما في استحقاق ميراثه والصحيح أن الجد أحق لأن له مزية الولادة والأبوة ولأن ابن ابنه يرثه ميراث ابن‏,‏ ويرث الأخ ميراث أخ وميراث الابن آكد فالنفقة الواجبة به تكون آكد وإن كان مكان الأخ ابن أخ أو عم فالجد أولى بكل حال‏.‏

فصل

والواجب في نفقة القريب قدر الكفاية من الخبز والأدم والكسوة بقدر العادة‏,‏ على ما ذكرناه في الزوجة لأنها وجبت للحاجة فتقدرت بما تندفع به الحاجة وقد ‏(‏قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لهند‏:‏ خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف فقدر نفقتها ونفقة ولدها بالكفاية فإن احتاج إلى خادم فعليه إخدامه‏)‏ كما قلنا في الزوجة لأن ذلك من تمام كفايته‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وعلى المعتق نفقة معتقه‏,‏ إذا كان فقيرا لأنه وارثه‏]‏

هذا مبنى على الأصل الذي تقدم وأن النفقة تجب على الوارث والمعتق وارث عتيقه‏,‏ فتجب عليه نفقته إذا كان فقيرا ولمولاه يسار ينفق عليه منه وقال مالك والشافعي وأصحاب الرأي‏:‏ لا تجب عليه نفقة‏,‏ بناء على أصولهم التي ذكرناها ولنا قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وعلى الوارث مثل ذلك‏}‏ ‏(‏وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- أمك وأباك وأختك وأخاك‏,‏ ثم أدناك أدناك ومولاك الذي يلي ذاك حقا واجبا‏,‏ ورحما موصولا‏)‏ ولأنه يرثه بالتعصيب فكانت عليه نفقته كالأب ويشترط في وجوب الإنفاق عليه الشروط المذكورة في غيره‏.‏

فصل

فإن مات مولاه فالنفقة على الوارث من عصباته‏,‏ على ما بين في باب الولاء ويجب على السيد نفقة أولاد عتيقه إذا كان له عليهم ولاء لأنه عصبتهم ووارثهم وعليه نفقة أولاد معتقته إذا كان أبوهم عبدا كذلك‏,‏ فإن أعتق أبوهم فانجر الولاء إلى معتقه صار ولاؤهم لمعتق أبيهم ونفقتهم عليه‏,‏ إذا كملت الشروط وليس على العتيق نفقة معتقه وإن كان فقيرا لأنه لا يرثه فإن كان كل واحد منهما مولى صاحبه‏,‏ مثل أن يعتق الحربى عبدا ثم يسبى العبد سيده فيعتقه فعلى كل واحد منهما نفقة الآخر لأنه يرثه‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإذا زوجت الأمة‏,‏ لزم زوجها أو سيده إن كان مملوكا نفقتها‏]‏

وجملته أن زوج الأمة لا يخلو من أن يكون حرا أو عبدا‏,‏ أو بعضه حرا وبعضه عبدا فإن كان حرا فنفقتها عليه‏,‏ للنص واتفاق أهل العلم على وجوب نفقة الزوجات على أزواجهن البالغين والأمة داخلة في عمومهن‏,‏ ولأنها زوجة ممكنة من نفسها فوجب على زوجها نفقتها كالحرة‏,‏ وإن كان زوجها مملوكا فالنفقة واجبة لزوجته لذلك قال ابن المنذر‏:‏ أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن على العبد نفقة زوجته هذا قول الشعبي‏,‏ والحكم والشافعي وبه قال أصحاب الرأي إذا بوأها بيتا وحكى عن مالك أنه قال‏:‏ ليس عليه نفقتها لأن النفقة مواساة‏,‏ وليس هو من أهلها ولذلك لا تجب عليه نفقة أقاربه ولا زكاة ماله ولنا‏,‏ أنها عوض واجب في النكاح فوجبت على العبد كالمهر والدليل على أنها عوض أنها تجب في مقابلة التمكين ولهذا تسقط عن الحر بفوات التمكين‏,‏ وفارق نفقة الأقارب إذا ثبت وجوبها على العبد فإنها تلزم سيده لأن السيد أذن له في النكاح المفضى إلى إيجابها وقال ابن أبى موسى‏:‏ فيه رواية أخرى أنها تجب في كسب العبد وهو قول أصحاب الشافعي لأنه لم يمكن إيجابها في ذمته‏,‏ ولا رقبته ولا ذمة سيده ولا إسقاطها‏,‏ فلم يبق إلا أن تتعلق بكسبه وقال القاضي‏:‏ تتعلق برقبته لأن الوطء في النكاح بمنزلة الجناية وأرش جناية العبد يتعلق برقبته يباع فيها‏,‏ أو يفديه سيده وهذا قول أصحاب الرأي ولنا أنه دين أذن السيد فيه فلزم ذمته‏,‏ كالذي استدانه وكيله وقولهم‏:‏ إنه في مقابلة الوطء غير صحيح فإنه يجب من غير وطء ويجب للرتقاء والحائض والنفساء‏,‏ وزوجة المجبوب والصغير وإنما يجب بالتمكين وليس ذلك بجناية ولا قائم مقامها وقول من قال‏:‏ إنه تعذر إيجابه في ذمة السيد غير صحيح‏,‏ فإنه لا مانع من إيجابه وقد ذكرنا وجود مقتضيه فلا معنى لدعوى التعذر‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإن كانت أمة تأوى بالليل عند الزوج‏,‏ وبالنهار عند المولى أنفق كل واحد منهما مدة مقامها عنده‏]‏

هذه المسألة قد تقدمت وذكرنا أن النفقة في مقابلة التمكين‏,‏ وقد وجد منها في الليل فتجب على الزوج النفقة فيه والباقي منها على السيد‏,‏ بحكم أنها مملوكته لم تجب لها نفقة على غيره في هذا الزمن فيكون على هذا على كل واحد منهما نصف النفقة وهذا أحد قولي الشافعي وقال في الآخر‏:‏ لا نفقة لها على الزوج لأنها لم تمكن من نفسها في جميع الزمان فلم يجب لها شيء من النفقة‏,‏ كالحرة إذا بذلت نفسها في أحد الزمانين دون الآخر ولنا أنه وجد التمكين الواجب بعقد النكاح فاستحقت النفقة كالحرة إذا مكنت من نفسها في غير أوقات الصلوات المفروضات والصوم الواجب والحج المفروض وفارق الحرة إذا امتنعت في أحد الزمانين‏,‏ فإنها لم تبذل الواجب فتكون ناشزا وهذه ليست ناشزا ولا عاصية‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏فإن كان لها ولد‏,‏ لم تلزمه نفقة ولده حرا كان أو عبدا ونفقتهم على سيدهم‏]‏

يعنى الأمة ليس على زوجها نفقة ولدها منها‏,‏ وإن كان حرا لأن ولد الأمة عبد لسيدها فإن الولد يتبع أمه في الرق والحرية فتكون نفقتهم على سيدهم دون أبيهم‏,‏ فإن العبد أخص بسيده من أبيه ولذلك لا ولاية بينه وبين أبيه ولا ميراث ولا إنفاق‏,‏ وكل ذلك للسيد وقد رويت عن أبى عبد الله -رحمه الله- رواية أخرى أن ولد العربى يكون حرا‏,‏ وعلى أبيه فداؤه فعلى هذا تكون نفقتهم عليه ولو أعتق الولد سيده أو علق عتقه بولادته أو تزوج الأمة على أنها حرة‏,‏ فولده منها أحرار وعلى أبيهم نفقتهم في هذه المواضع كلها إذا كان حرا‏,‏ وتحققت فيه شرائط الإنفاق‏.‏

فصل

وإذا طلق الأمة طلاقا رجعيا فلها النفقة في العدة لأنها زوجة وإن أبانها وهي حائل فلا نفقة لها لأنها لو كانت حرة‏,‏ لم يكن لها نفقة فالأمة أولى وإن كانت حاملا فلها النفقة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن‏}‏ نص على هذا أحمد وبه قال إسحاق وقد روى عن أبى عبد الله‏,‏ -رحمه الله- في نفقة الحامل روايتان هل هي للحمل أو للحامل بسببه‏؟‏ روايتان إحداهما‏,‏ هي للحمل فعلى هذا لا تجب للمملوكة الحامل البائن نفقة لأن الحمل مملوك لسيدها فنفقته عليه وللشافعي في هذا قولان كالروايتين‏.‏

فصل

وإن طلق العبد زوجته الحامل طلاقا بائنا‏,‏ انبنى على وجوب النفقة على الروايتين في النفقة هل هي للحمل أو للحامل‏؟‏ فإن قلنا‏:‏ هي للحمل فلا نفقة على العبد وبه قال مالك وروي ذلك عن الشعبي لأنه لا تجب عليه نفقة ولده وإن قلنا‏:‏ هي للحامل بسببه وجبت لها النفقة وهذا قول الأوزاعي لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن‏}‏ ولأنها حامل‏,‏ فوجبت لها النفقة كما لو كان زوجها حرا‏.‏

فصل

والمعتق بعضه عليه من نفقة امرأته بقدر ما فيه من الحرية وباقيها على سيده‏,‏ أو في ضريبته أو في رقبته على ما ذكرنا في العبد والقدر الذي يجب عليه بالحرية‏,‏ يعتبر فيه حاله إن كان موسرا فنفقة الموسرين وإن كان معسرا فنفقة المعسرين والباقي تجب فيه نفقة المعسرين لأن النفقة مما يتبعض‏,‏ وما يتبعض بعضناه في حق المعتق بعضه كالميراث والديات وما لا يتبعض فهو فيه كالعبد‏,‏ ولأن الحرية إما شرط فيه أو سبب له فلم يكمل وهذا اختيار المزنى وقال الشافعي‏:‏ حكمه حكم القن في الجميع‏,‏ إلحاقا لأحد الحكمين بالآخر ولنا أنه يملك بنصفه الحر ملكا تاما ولهذا يورث عنه ويكفر بالإطعام‏,‏ ويجب فيه نصف دية الحر فوجب أن تتبعض نفقته لأنها من جملة الأحكام القابلة للتبعيض فأما نفقة أقاربه‏,‏ فيلزمه منها بقدر ميراثه لأن النفقة تنبنى على الميراث وعند المزنى تلزمه كلها لأنها لا تتبعض وعند الشافعي لا يلزمه شيء لأن حكمه حكم العبيد وقد سبق الكلام في هذا‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وليس على العبد نفقة ولده‏,‏ حرة كانت الزوجة أو أمة‏]‏

أما إذا كانت زوجة العبد حرة فولدها أحرار لأن الولد يتبع الأم في الرق والحرية وليس على العبد نفقة أقاربه الأحرار لأن نفقتهم تجب على سبيل المواساة وليس هو من أهلها وأما إذا كانت زوجته مملوكة‏,‏ فولدها عبيد لسيدها لأنهم يتبعونها فتكون نفقتهم على سيدهم‏.‏

فصل

وحكم المكاتب في نفقة الزوجات والأولاد والأقارب‏,‏ حكم العبد القن لأنه عبد ما بقي عليه درهم إلا أنه إذا كانت له زوجة أنفق عليها من كسبه لأن نفقة الزوجة واجبة بحكم المعاوضة مع اليسار والإعسار ولذلك وجبت على العبد فعلى المكاتب أولى‏,‏ ولأن نفقة المرأة لا تسقط عن أحد من الناس إذا لم يوجد منها ما يسقط نفقتها ولا يمكن إيجابها على سيده لأن نفقة المكاتب لا تجب على سيده‏,‏ فنفقة امرأته أولى فأما نفقة أولاده وأقاربه الأحرار فلا تجب عليه لأنها تجب على سبيل المواساة وليس هو من أهلها ولذلك لا تجب عليه الزكاة في ماله‏,‏ ولا الفطرة في بدنه فإن كانت زوجته حرة فنفقة أولادها عليها لأنهم يتبعونها في الحرية وإن كان لهم أقارب أحرار‏,‏ كجد حر وأخ حر مع الأم أنفق كل واحد منهم بحسب ميراثه والمكاتب كأنه معدوم بالنسبة إلى النفقة‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وعلى المكاتبة نفقة ولدها دون أبيه المكاتب‏]‏

وجملته أن المكاتب إذا كان له ولد‏,‏ لم يخل إما أن يكون من زوجة أو من أمة فإن كان من زوجة وكانت مكاتبة‏,‏ فولدها يتبعونها في الكتابة ويكونون موقوفين على كتابتها إن رقت رقوا وإن عتقت بالأداء عتقوا‏,‏ فتكون نفقتهم عليها مما في يديها لأنهم في حكم نفسها ونفقتها مما في يديها فكذلك على ولدها وأما زوجها المكاتب‏,‏ فليس عليه نفقتهم لأنهم عبيد لسيد المكاتبة وإن كانت زوجته حرة أو أمة فقد بينا حكمهم وإن أراد المكاتب التبرع بالإنفاق على ولده‏,‏ وكان من أمة أو مكاتبة لغير سيده أو حرة لم يكن له ذلك لأن فيه تغريرا بمال سيده وإن كان من أمة لسيده‏,‏ جاز لأنه مملوك لسيده فهو ينفق عليه من المال الذي تعلق به حق سيده وإن كان من مكاتبة لسيده‏,‏ احتمل الجواز لأنه في الحال بمنزلة أمه وأمه مملوكة لسيدها ويحتمل أن لا يجوز لأن فيه تغريرا إذ لا يحتمل أن يعجز هو‏,‏ وتؤدى المكاتبة فيعتق ولدها فيحصل الإنفاق عليها من مال سيده‏,‏ ويصير حرا‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وعلى المكاتب نفقة ولده من أمته‏]‏

أما ولد المكاتب من أمته فنفقتهم عليه لأن ولده من أمته تابع له يرق برقه‏,‏ ويعتق بعتقه فجرى مجرى نفسه في النفقة فكما أن المكاتب ينفق على نفسه فكذلك على ولده الذي هذا حاله‏,‏ ولأن هذا الولد ليس له من ينفق عليه سوى أبيه فإن أمه أمة للمكاتب وليس له من الأحرار أقارب‏,‏ فيتعين على المكاتب الإنفاق عليه كأمه ولأنه لا ضرر على السيد في إنفاق المكاتب على ولده من أمته لأنه إن أدى وعتق‏,‏ فقد وفي مال الكتابة وليس للسيد أكثر منها وإن عجز ورق‏,‏ عاد إليه المكاتب وولده الذي أنفق عليه فكأنه إنما أنفق على عبده وتصير نفقته عليه كنفقته على سائر رقيقه‏.‏

فصل

وليس للمكاتب أن يتسرى بأمته إلا بإذن سيده لأن ملكه غير تام‏,‏ وعلى السيد ضرر في تسريه بها لما فيه من التغرير بها وإن أذن له سيده في ذلك جاز لأن المنع لحقه فجاز بإذنه‏,‏ كما لو أذن لعبده القن وإن وطئ بغير إذنه فلا حد عليه لأنه وطئ مملوكته فإن أولدها في الموضعين‏,‏ صارت أم ولد له ليس له بيعها ولا يبع ولده فإن عتق‏,‏ عتق ولدها وصارت الأمة أم ولد تعتق بموته‏,‏ وإن رق رقت هي وولدها وصارت أمة لسيده‏,‏ والمكاتب وولده عبدان له ويلزم المكاتب الإنفاق على عبيده وإمائه وأمهات أولاده لأنهم ملك له‏,‏ فلزمه الإنفاق عليهم كبهائمه‏.‏